عباد الله: جاءت توبة الله على كعب بن مالك وصاحبيه -رضي الله عنهم-؛ بسبب صدقهم مع الله، ومع رسوله -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، وإيمانهم أن الصدق هو طريق النجاة، وأن الله -سبحانه- لا تَخفى عليه خافية. عباد الله: إن الصدق منجاة لمن اتَّصَفَ بِه، فقد عُرِفَ الرسول -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قبل مبعثه بالصِّدق، ووُصِف به صاحبه أبي بكر الصِّديق -رضي الله عنه-، فقال -تعالى-: ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[الزمر:23]. وقال -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: " عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا "(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). فالذي يتعوَّد الصدقَ يُوفَّق للبرِّ في أعماله، والصدق في أعماله، والاستقامة في أعماله، والذي يُبتلى بالكذب يجرّه الكذبُ إلى الفجور والمعاصي الكثيرة.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
قال: فخررتُ ساجدًا، وعرَفت أنْ قد جاء فرج، وأذِن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يُبشروننا، فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلقَّاني الناس فوجًا فوجًا يُهنِّئونني بالتوبة، قال: فلما سلَّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عليه السلام - وهو يَبرُق من وجهه السرور -: ((أبشِر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولَدتك أُمُّك))، قال: قلت: أمِن عند الله يا رسول الله، أم مِن عندك؟ قال: ((بل من عند الله))؛ (البخاري، 4418). فهنا جاءت توبة الله على كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم؛ بسبب صدقهم مع الله، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، ونتيجة تأكُّدهم أن الصدق هو طريق النجاة، وأن الله سبحانه لا تَخفى عليه خافية. ف خُلُقُ الصدق من أعظم الأخلاق منزلةً في الإسلام، وكيف لا يكون كذلك ومنزلة الصادقين تأتي بعد منزلة النبيِّين، الذين هم أفضل البشر على الإطلاق؟!