هل المنتخب العاجز عن "تسليك" البالوعات وتنظيف الشوارع، قبل حلول فصل الشتاء، بإمكانه حلّ كبرى المشاكل والاستجابة لانشغالات مواطنيه، وهو لم يفلح حتى في تسوية مشكل "قرمودة" يواجهه مواطن "زوالي" أكله الماء شتاء دون أن تتدخل البلدية لإسعافه أو مساعدته وهو في حالة خطر؟ قال لي أحد المواطنين ممّن لهم باع طويل في التعامل مع المنتخبين: "ياو هاذوا ما ينشوا ما يهشوا.. بصّح يعرفوا يقرمشوا".. هكذا هي صورة أغلب "ممثلي الشعب" عند البسطاء، والمسؤولية يتحملها طبعا هؤلاء المنتخبون الذين سوّدوا مهمة التمثيل بتحويلها إلى عويل و"تمهبيل" وتصفيات لا تختلف كثيرا عن ما حدث بين هابيل وقابيل! مصيبة المصائب، أن الكثير من المنتخبين المحليين، "يحشموا" يخدموا المواطن، ولذلك يبحثون عن ما خفّ وزنه وغلى ثمنه، وعند وقوع الكارثة، يظهرون في والوقت بدل الضائع، أو يختفون حتى لا "يرجمهم" الغاضبون!
وأخرجت أميركا أثقالها؛ فالجنرال لي هو قائد جيش الولايات الأميركية الكونفدرالية خلال الحرب الأهلية (1861 – 1865)، وهي الولايات التي شقت عصا الطاعة على الاتحاد الأميركي (اليونيون). " حادثة شارلوت فيل بنت تاريخ أميركي أساسي اكتوى منه كل غير أبيض، بل -وفي أوقات ما- كل أبيض ليس من "الواسب" (البيض البروتستانت من ولايات الجنوب الأميركي). فالمسلمون والعرب عليه -في عبارة أميركية- هم "الولد الجديد في الحارة"؛ فما ينال هذا الفتى من أذى صبية الحي قد سبقه إليه كل من جاء متأخراً إلى الحارة " ووقع الانشقاق بعد فوز الرئيس أبراهام لنكولن لأنه وحزبه الجمهوري بيّتا النية على إلغاء الرق، ورأى الكونفدراليون في ذلك تغولاً من الحكومة الاتحادية على حقوق الولايات التي لها القرار في مثل ذلك الشأن. وجدير بالذكر أن ضحايا حرب الإخوة تلك (700 ألف في المتوسط) فاق عددهم ضحايا حروب أميركا العالمية والقارية والإقليمية إلى يومنا مجتمعين. ولكنها أيضاً الحرب التي حررت أربعة ملايين أميركي من أصل أفريقي من مذلة الاسترقاق. بدا الجدل حول إزالة التمثال عام 2016 في سياق حملة تقدمية للحقوق المدنية رمت إلى تصفية رموز الكونفدرالية التاريخية، وتبلغ هذه الرموز من نُصب وتماثيل وأعلام مرفرفة فوق ساريات الدولة نحو ألف، في 31 ولاية، منها 35 في ولاية كارولاينا الشمالية وحدها، وتم بناؤها عام 2000.
وعندما تنتهي من فقرتها، يتخيلها المشاهد، وقد خرجت من حلبة مصارعة، ولا تنسى وهي تغادر أن تعطي أوامرها "لم الزجاج المكسور يا بني"، أو "لم الجثث". وهي في الوضع هذا لا تميز بين ضيف وآخر، وهو ما يسبغ أداءها بالموضوعية، حد الحياد، من حيث المقاطعة، وإن تمت بدافع السؤال، أو طلباً للتوضيح، أو نفياً لكلام غير صحيح! وفي الأسبوع الماضي كانت تدير فقرة في برنامج "الحصاد"حول ما يجري في سيناء بعد العملية التي راح ضحيتها كل الأفراد في كمين بالجيش، وبقيادة ضابط في بداية السلم الوظيفي "ملازم أول"، في حين أن الآخرين كانوا جنوداً مجندين، أحدهم "بلدياتي" من "جهينة"، رحم الله الجميع، وألهم ذويهم الصبر الجميل. وقد استمعت للفقرة عبر "الراديو" في البداية، قبل أن أشاهدها بعد ذلك، وبعض المشاهدة تفقدك جزءاً من التركيز، ولم يكن هناك جديد فهذه "غادة عويس" بطريقتها في إدارة فقراتها بالطريقة التي عرفت بها، إذ تستطيع أن تتعرف عليها من بين قبيلة من المذيعات وتميز صوتها من بين ألف صوت! "الحصاد" من دم ولحم ولا يغيب عن متابع، أن برنامج "الحصاد" اليومي بـ "الجزيرة"، بات علامة مميزة لها، فالهمة في إعداده يلمسها المشاهد ويحسها، إن فقراته ليست حشواً، وإن تقديمه ليس "سد خانة" وملء هواء إنه برنامج من لحم ودم.
فقد كتب ريك وارتزمان في "نهاية الولاء: صعود الوظائف الحسنة وتهافتها في أميركا" عن تزايد أعداد العمال المؤقتين منذ 2005، ببلوغهم في 2010 نحو 40% بزيادة بلغت 30%. وهذه الوظائف عند الحاجة إلى عامل تحرم شاغليها من ميزات العمل ذي الدوام الكامل من مثل التأمين الصحي. فوظائف الدوام الكامل هي الوظائف التي "هُرّبت" إلى خارج أميركا، أو استُغنِي عنها بالأتمتة، أو استبعدها الحرص على خفض تكلفة الإنتاج لزيادة عائد أصحاب الأسهم في الشركات. أعمار في غير صالح الأعمال وعاد تهتك العقد بين العمل ورأس المال -في قول وارتزمان- بوبال نفسي كبير على البيضان؛ فاضطروا -وهم من أمِنوا في السابق إلى وضعيتهم كطبقة وسطى- إلى تكفّف "سقط" الدولة الإعاشي بما لم يطرأ لهم من قبل. وكانت نتيجة هذه الوهدة أن صارت حيوات الذكور البيض من متوسطي العمر (45-54) أقصر. " قد يسعد العرب والمسلمون لأن واقعة شارلوت فيل الإرهابية العرقية لم تأتِ بذكرهم. ولكنهم لو تجاوزوا في درسها تعييبَ ترمب إلى إتقان التعاطي مع محركات المجتمع الأميركي وتاريخه -من قوى ورموز- لتواضعوا على إستراتيجية طويلة المدى لمواطنة أميركية آمنة " فصار معروفاً منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2015 -بطريق تقرير معزز- تزايد وتائر الموت بينهم بمعدل 22% منذ 1999.
فقد أعمى الديمقراطيين وشيعتهم الأكاديمية تركيزهم الحاد على نقد المجتمع الأميركي والرأسمالية من جهة جرائرهما بحق الأنثوية والعرقية والميول الجنسية، دون تبصّر خذلان الرأسمالية لهذه الطبقة. وبالغوا في التحليل على ضوء هذه المعطيات، حتى قال عنهم ديمقراطي سعى لنيل ترشيح حزبه للفوز في 2016 وهو ديك سانتورم، إنه جدت للديمقراطيين مشكلة مع الطبقة العاملة لم ينتهزوا سانحة الانتخابات لمقاربتها. ولما خذل الحزبُ الديمقراطي البيضانَ من العمال تقاطروا على ترمب بصورة درامية، صوّرها فريد زكريا في وثائقيته الحسنة في " سي أن أن " بعنوان: "لماذا فاز ترمب؟". وكان تقاطر الديمقراطيين في أوهايو من حزبهم إلى ترمب هجرة مستجيرٍ من الرمضاء بالنار. ويستدرك الديمقراطيون عزلتهم القاتلة عن الطبقة العاملة هذه الأيام بطواف بعض نوابهم في الكونغرس على طائفة من نقابات العمال (نيويورك تايمز، 15 أغسطس/آب 2017). عدّد فريد زكريا أسباب أزمة الطبقة العاملة البيضاء -التي هي أرضية مؤكدة لليمين الجديد- في الثقافة والتواصل والطبقية والرأسمالية، وكلها تبدأ بالحرف (سي) في الإنجليزية. وتواترت كتابات قبيل فوز ترمب وبعده تحلل خذلان الرأسمالية المعاصرة للطبقة العاملة البيضاء.